من معارك الحرب العالمية الثانية .. معركة برلين
مآسي الايام الاخيرة من الحرب العالمية الثانية محفورة في ذاكرة الروس والالمان قتلا وتدميرا. بحلول إبريل عام 1945 كان خط المواجهة بين الرايخ الثالث والاتحاد السوفيتي يمتد على طول نهر أودر ورافده نيس الذي لا يبعد سوى 60 كيلومترا فقط شرق برلين. وإلى الغرب كانت تتمركز القوات الامريكية والبريطانية على نهر الراين.وكان ستالين يسعى في لهفة للاستيلاء على برلين قبل الحلفاء الغربيين. ونشر من أجل هذا الغرض قوات ضخمة على طول نهر أودر لشن هجوم صاعق على العاصمة الالمانية.
ونشرت قوات الجيش الاحمر19 جيش مشاة واربعة جيوش مدرعة وثلاثة جوية أي مايقارب نحو 2.500.000 مليون جندي تدعمهم أكثر من 6 آلاف دبابة وأكثر من 40 ألف قطعة مدفعية و 6700 طائرة و 96 الف شاحنة و 4520 قطعة مضادة للدروع على طول جبهة روسيا البيضاء الاولى بقيادة الماريشال جوكوف وجبهة أوكرانيا الاولى بقيادة الماريشال كونييف والماريشال روكوسوفسكي
مقابل ذلك حشد الالمان في بداية الهجوم بقايا الجيش المدرع الثالث والجيش التاسع واحتياط جيش الفستول اضافة الى الجيش المدرع الرابع أي ما يعادل 47 فرقة منها ثلاثة مدرعة وثمان الية ولواء مشاة. ان العدد الكبير لهذة الفرق يبين لنا عن جيش قوي لكن الحقيقة ان هذة القوات كانت متهالكة ومشرذمة من شدة الضغط عليها من قبل الجيش السوفيتي والاميركي وكان الجنود في حالة يأس شديد وانعدام الامل وانحطاط الروح المعنوية بعد الخسائر المريعة التي مني بها الجيش الالماني بالاضافة الى ذلك وصل الى مسامع الجنود الاخبار عن الجيوش الهائلة والاسلحة الجبارة التي حشدها السوفييت والاميركين لاحتلال برلين
وكانت الخطة تعتمد على تقدم القوات نحو برلين وتطويقها من الشرق والغرب قبل الاستيلاء عليها شارع تلو الاخر. ولم يقف أمام الجيش الاحمر وتحقيق هدفه سوى الجيش التاسع الالماني الذي كان يتمركز على طول منطقة تعرف باسم مرتفعات سيلو كآخر حصن دفاعي أمامهم.وفي الساعات الاولى من 16 إبريل بدأ الاجتياح السوفيتي حيث أمطرت قوات الجيش الاحمر الجنود المتمركزين في هذه المرتفعات بقذائف المدفعية وصواريخ الكاتيوشا.وكان صوت المدافع يسمع حتى الضواحي الشرقية من برلين التي تبعد 60 كيلومترا عن قلب المدينة مما دفع السكان للاصطفاف في طوابير أمام المخابز ومتاجر السلع الغذائية وهم يصرخون في هلع "إيفان آت" (الروس قادمون)
وصمد الجيش التاسع ببسالة لمدة ثلاثة أيام قبل أن ينهار. وتوغلت جبهة الماريشال جوكوف (روسيا البيضاء) الاولى في 19 إبريل في طريقها نحو المدينة. ولم يعد بينها وبين برلين سوى بعض التحصينات الالمانية المتهالكة.وتحولت عاصمة الامبراطورية التي كان يفخر بها هتلر ذات يوم إلى خراب بعد عامين من القصف الجوي المتواصل ليل نهار. وارتفع عدد سكان برلين الذي كان يبلغ نحو أربعة ملايين نسمة بفعل تدفق هجرة السكان من الشرق خوفا من عمليات الاغتصاب والسلب التي ترتكبها القوات السوفيتية.وقطعت خطوط الكهرباء والغاز والماء فيما نقل السكان معيشتهم إلى قباء وأنفاق تحت سطح الارض ولا يغامرون بالخروج منها سوى بحثا عن الغذاء والماء.
وكان توغل الاتحاد السوفيتي في منطقة مرتفعات سيلو دافعا لظهور جهود محمومة في برلين لتنظيم بعض أشكال الدفاع من خلال وضع الحجارة والطوب في عربات الترام المتبقية لاقامة حواجز على الطرق وتوزيع الاسلحة المضادة للدبابات.وطاف أفراد الشرطة ومسؤولوا الحزب النازي الذين لم يفروا شوارع المدينة بحثا عن الجماعات المتفرقة والجرحى.وحكم النازيون على من يصفونهم بالخونة والفارين من أداء الواجب الوطني بالموت شنقا وتدلت جثثهم من أعمدة الانارة في أنحاء المدينة وعليهم بطاقة تشير "بجريمتهم".
وفي 20 إبريل الذي تزامن مع عيد ميلاد هتلر السادس والخمسين بدأت مدافع المارشال جوكوف بعيدة المدى في قصف الضواحي شرقي برلين. وسقط ما يقرب من مليوني قذيفة على المدينة قبل استسلامها. وبحلول ليلة 22 إبريل كانت فرق الدبابات السوفيتية على مشارف برلين.وقبل هتلر من حصنه تحت مقر الرايخ هزيمة لم يجد مفرا منها في نهاية الامر في يوم 22 إبريل بعد أن فشلت عملية شن هجوم مضاد. ورغم الوصول إلى هذه المرحلة لكن هتلر واصل رسم خطط اعتمد خلالها على مشاركة قوات ضخمة لا وجود لها حينذاك.ولكن الامر وضح الان حتى بالنسبة له أن الاتحاد السوفيتي سيستولى على مقره في غضون أيام. وصب جام غضبه على جنرالاته والشعب الالماني ثم خر منهارا على مقعدة.وبعد ظهر يوم 25 إبريل التقت القوات الامريكية والسوفيتية على نهر إلبي وقسمت المانيا الى قسمين فيما انضم جيشا جوكوف وكونيف وطوقوا جميعا برلين. وبات الان طوق من الفولاذ يحاصر المدينة من كل جانب.
وبعد يومين توغلت الدبابات الروسية حتى وصلت إلى ساحة بوتسدامر بلاتز وسط برلين.وفي ظل تراجع أعداد الجنود المدربين إلى 25 ألف جندي فقط وقع العبء الاكبر من الدفاع عن المدينة على كاهل الصبية من أعضاء منظمة "شباب هتلر" وكبار السن من رجال الحرس المدني. لكن جميع سبل الدفاع لم تتمكن من المقاومة أمام قوات الجيش الاحمر الشرسة وعتادها القوي.ووجد الروس أنفسهم في وضع يحتم عليهم خوض الحرب من شارع إلى آخر ومنزل تلو آخر وهو الموقف ذاته الذي وجد الالمان أنفسهم فيه في مدينة ستالينجراد. وتمكنت بعض جيوب المقاومة العنيدة من عرقلة حركة القوات السوفيتية الامر الذي دفع الاخيرة لاستدعاء مدافع وقاذفات ثقيلة لدك وتدمير جميع البنايات الموجودة في المدينة.
وفي 30 إبريل أصبح الجيش الاحمر على بعد مئات الامتار من مخبأ هتلر ومبنى البرلمان (الرايخستاغ) المجاور له. وفي تمام الساعة الثالثة والنصف بعد الظهرينتحر هتلر في مقرة الحصين تحت مقر المستشارية معترفا أنه خسر كل شيء وتلقي ايفان براون التي تزوجها قبل انتحارة المصير نفسة ويأمر ضباطة بأن يقوموا بحرق جثتة ودفنها خوفا من يستولي عليها الروس ويمثلوا بها. تنقطع اخبار الجيش التاسع ويفقد الجنرال الالماني ونك أي امل بالوصول الى برلين وانقاذها. وبعد معارك دامية طوال النهار تدخل ثلاث كتائب من فرقة المشاة السوفيتية 150 مبنى الرايخستاغ في الساعة العاشرة وخمسون دقيقة مساءا. ويرفع الملازم اول بريست بمساعدة رقيبين العلم السوفيتي على التمثال الذي يرمز الى دولة الرايخ الثالث
وفي الثاني من مايو استسلمت جميع القوات الالمانية دون شروط. وانتهت الحرب في أوروبا.وكانت فاتورة معركة برلين فادحة بالنسبة للجانبين. حيث خسر السوفييت ما يقرب من 50 ألف جندي فيما خسر الالمان نحو 300 ألف فرد ما بين قتيل وجريح ومفقود واسير بينهم الكثير مدنيون.وحتى الان تكتشف السلطات الالمانية نحو ألف جثة داخل برلين والمناطق المحيطة بها سنويا.ولم يكن الناجون من معركة برلين أفضل حظ فقد تعرضت ما يقرب من 100 ألف امرأة في برلين لعمليات اغتصاب من جانب الجيش الاحمر فيما نقل 100 ألف أسير حرب لسجون الاتحاد السوفيتي غالبيتهم من الصبية دون سن الثامنة عشر.
ووقع على عاتق من نجا من المجزرة من سكان برلين مسؤولية التخطيط لاعادة بناء المدينة المدمرة التي تقسمت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وقاموا ببناء جدار برلين الذي قسم المانيا الى غربية تابعة للولايات المتحدة والمعسكر الرأسمالي وشرقية تابعة للاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي.