إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من استن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد ..
فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم وجل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أحبتى فى الله:
يوم أن أنحرفت الأمة عن كتاب ربها وسنة نبيها وقعت فى هذا الانفصام النكد بين منهجها المنير وواقعها المؤلم المرير، فلقد شوه المسلمون الإسلام بقدر ما ضيعوا من تعاليمه وحقوقه، وابتعدوا عن المصطفى بقدر ما ضيعوا من سنته وأخلاقه، والداعية الصادق الأمين- أسأل الله أن نكون منهم بمنه وكرمه- هو الذى لا يغيب عن أمته ولا تغيب عنه أمته بآلامها وآمالها. ولو قلبت صفحات التاريخ كلها لن نجد فيها زماناً قد ضاعت فيه حقوق الإسلام كهذا الزمان وهذه الأيام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فأحببت أن أذكر أمتى لعلها أن تسمع من جديد عن الله عز وجل، ولعلها أن تسمع من جديد عن رسول الله ، ولعلها أن تحول هذا المنهج المنير فى حياتها إلى منهج حياة وتردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.
فتعالوا بنا أيها الأحبة الكرام لنتعرف على حق الله جل وعلا، وها هو نبينا يبين لنا هذا الحق الكبير فى حديثه الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث معاذ بن جبل- رضى الله عنه- قال: كنت رديف النبى يوماً على حمار- أى كان معاذ بن جبل يركب خلف النبى على ظهر حمار واحد- فقال النبى لمعاذ:" يا معاذ أتدرى ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟" قال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال المصطفى :" حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً" فقال معاذ: قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس بذلك؟ فقال المصطفى : لا تبشرهم فيتكلوا" ([1]) .
وفى رواية: فأخبر به معاذ بن جبل عند موته تأثما([2]) أى خوفاً من وقوعه فى الأثم، لكتمانه العلم عن النبى ، فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
ولكن أيها الأحبة الكرام قبل أن أبين لحضراتكم حق الله سبحانه وتعالى أطرح هذا السؤال المهم: هل نعرف الله؟ والجواب على هذا السؤال هو موضوع لقائنا اليوم مع حضراتكم بإذن الله جل وعلا، وسينتظم حديثى عن هذا السؤال المهم فى
العناصر المحددة التالية:
أولاً: من الله؟
ثانياً: مع القرآن فى آفاق السماء.
ثالثاً: مع القرآن فى جنبات الأرض.
رابعاً: مع القرآن فى مراحل خلق الإنسان.
وأخيراً: عتاب يخزي.
فأعرنى قلبك وسمعك فإن هذا اللقاء من الموضوعات التى تجدد الإيمان فى القلب، وتعرف المخلوق بخالقه جل وعلا، فمحال أن أعرف بحق الله جل وعلا قبل أن نتعرف على الله جل وعلا، ومن ثم فإننا بإذن الله سنتعرف على الله جل جلاله، وإن قدر لنا الله البقاء واللقاء فى الشهر القادم بإذن الله جل وعلا، سنتعرف على حقه سبحانه وتعالى على خلقه وعباده.
أولاً: من الله؟:
والجواب من القرآن والسنة: فإن أول من شهد لله بالوحدانية هو الله : {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (18) سورة آل عمران. فإن أول من شهد لله بأنه الله هو الله {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} وإن أعرف الناس بالله هو حبيبنا رسول الله إذاً فلن تسمع منى جواباً على هذا السؤال الجميل إلا بآية من كتاب الله الجليل، وإلا بحديث من كلام
البشير النذير .
من الله؟ يرد ربنا جل وعلا فيقول: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (255) سورة البقرة.
من الله؟ يجيب ويقول سبحانه: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (22، 23) سورة الحشر هو الله هو الله هو الله {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (24) سورة الحشر.
من الله؟ الله جل وعلا يجيب ويقول سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} سورة الإخلاص .
وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى أن الحبيب النبى قال: "إن الله لا ينام ولا ينبغى له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه حجابه النور، نور على نور"([3]).
وفى صحيح مسلم من حديث أنس أنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله ، فكان يعجبنا أن يجئ الرجل العاقل من البادية أى من الصحراء ليسأل رسول الله ونحن نسمع، فجاء أعرابى،فقال كلمات قاسية لكنها فطرته وجبلته- يقول الأعرابى الذى لا يحسن أن يختار الكلمات : يا محمد- هكذا- والله ما غضب المصطفى ، ولو نودى اليوم على واحد منا باسمه ولو كان طالب من طلاب علمه، والله لغضب وها هو المصطفى يعلم الدنيا التواضع، يقول له الأعرابى: يا محمد أتانا رسولك فزعم أن الله أرسلك فزعم أنك رسول من عند الله فقال المصطفى بكل تواضع وأدب وخلق: "صدق" صدق رسولى لم يعنف الأعرابى ولم يوبخه ولم يحقر قوله بل قال المصطفى :" صدق".
اسمع فقال الإعرابى الفقيه: يا محمد من الذى رفع السماء؟ فقال المصطفى "الله" فقال الأعرابى: فمن الذى خلق الأرض؟ اقل المصطفى: "الله" فقال الأعرابى: فمن الذى نصب الجبال وجعل فيها ما جعل؟ فقال المصطفى:" الله" فقال الأعرابى: فالذى رفع السماء وخلق الأرض ونصب الجبال وجعل فيها ما جعل الله أرسلك([4])؟
اسمع إلى فقه هذا الأعرابى، والشاهد من حديث جواب النبى على أسئلة الأعرابى بكلمة واحدة: "الله".
وفى حديث مسلم من حديث أبى هريرة أن حبراً من أحبار اليهود جاء يوماً إلى النبى فقال: يا محمد إننا نجد عندنا فى التوراة الله تعالى يجعل السماوات على إصبع ويجعل الأرضين على إصبع، ويجعل الماء والثرى على إصبع ، ويجعل الشجر على إصبع ويجعل سائر الخلائق على إصبع ثم يهزهن ويقول: أنا الملك، فضحك
النبى من كلام الحبر حتى بدت نواجذه ثم قرأ النبى قول الله جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر([5])
أخى الحبيب:
اسم الله جلا وعلا، هو الإسم المفرد العلم، العلم على ذاته القدسية، الجامع لكل أسماء الجلال وصفات الكمال؛ لذا جعله الله الاسم الدال على جميع الأسماء فقال سبحانه: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (180) سورة الأعراف. وقال سبحانه: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (23) سورة الحشر.
فالسلام اسم الله والقدوس والسلام والعزيز والمهيمن من أسماء الله، تدبر معى فلا يقال: الله من أسماء الرحمن ولا يقال: الله من أسماء العزيز، بل يقال: العزيز من أسماء الله، الرحمن من أسماء الله، القدوس من أسماء الله، الملك من أسماء الله.
فاسم الله هو الاسم المفرد العلم على ذاته القدسية الجامع لكل أسماء الجلال وصفات الكمال لله الكبير المتعال، هو الاسم من أسماء الله الذى تكرر فى القرآن ما يقرب من ألف مرة، "الله" هو الوحيد فى السماء كلها الذى ورد ذكره فى القرآن ما يقرب من ألف مرة بحسب إحصاء المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم (تسعمائة وثمانون) مرة على وجه التحديد.
لذا يرى الإمام ابن القيم والإمام الطحاوى فى مشكل الآثار وغيرهما أن اسم الله هو الاسم العظيم الذى إن سئل به أعطى وإن دعى به أجاب، فهو الاسم الذى ما ذكر فى قليل إلا كثره، وهو الاسم الذى إذا ذكره عند خوف إلا أمنه، وهو الاسم الذى إذا ذكر عند هم إلا كشفه، وهو الاسم الذى ما ذكر عند كرب إلا فرجه، وهو الاسم الذى ما ذكر فى فقر إلا تحول الفقر إلى غنى، وهو الاسم الذى ما تعلق به ذليل إلا أعزه، وهو الاسم الذى ما تعلق به فقير إلا أغناه، وهو الاسم الذى ما تعلق به مكروب إلا قواه، وهو الاسم الذى تستدفع به الكربات ، وهو الاسم الذى تستنزل به البركات، وهو الاسم الذى تقال به العثرات، هو الاسم الذى تستفزع به النقم، هو الاسم الذى يستنزل به المطر، هو الاسم الذى يستنصر به من السماء، هو الاسم الذى من أجله قامت الأرض والسماء ... الله ... الله ... الله ... اسم تستنزل به البركات ، الله اسم تستنزل به الرحمات، الله اسم تزال به الكرب، الله اسم تزال به الهموم والغموم.
الله ... الله ... الله اسم لصاحبه كل جلال ، الله اسم لصاحبه كل جلال، الله اسم لصاحبه كل جلال وكمال وجلال، هو الاسم المفرد العلم على ذاته القدسية وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، لذا تكرر هذا الاسم فى القرآن كما ذكرت ما يقرب من ألف مرة، فلا يمكن أبداً أن تطالع صفحة من قرآن الله جل وعلا إلا ويرد لسانك اسم الله، ما يزيد على عشر مرات هذا فى الغالب.
أيها الأحبة الكرام هذا الاسم العظيم الجليل الكريم، الإيمان به أصل السعادة والنجاة فى الدنيا والآخرة، لذا لا أكون مبالغا إن قلت لحضراتكم: إن القرآن الكريم كله من أوله إلى آخره لا يتحدث إلا عن قضية الإيمان بالله جل وعلا، لست مبالغاً تريدون أن أدلل لكم على ذلك؟
خذوا الدليل القرآن الكريم كله من أوله إلى آخره: إما حديث مباشر عن الله جل وعلا عن ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وإما دعوة إلى عبادة الله جل وعلا، ترك عبادة ما سواه هذا من لوازم الإيمان بالله، بل هو الإيمان.
وإما حديث عن الكفار المعاندين الذى كفروا برب العالمين وبيان جزائهم فى الدنيا وجزائهم فى الآخرة وهذا جزاء المعرضين عن الإيمان.
وإما حديث عن المؤمنين الصادقين، وما أعد الله لهم فى الدنيا والآخرة من نعيم، وهذا جزاء من امتثل الإيمان.
وإما حديث يأمر بطاعة الله ويأمر بامتثال أوامره واجتناب نهيه والوقوف عند حدوده، وهذا كله من لوازم الإيمان، فلست مبالغاً إن قلت: إن القرآن الكريم كله يتحدث عن قضية الإيمان بالله جل وعلا، إذ أن الإيمان هو أصل الأصول وهو أصل الاعتقاد وعليه مدار الإسلام ولب القرآن، بل من أجله خلق الله السماوات والأرض، ومن أجله خلق الله الجنة والنار، ومن أجله أنزل الله الكتب، ومن أجله أرسل الله الرسل وعلى رأسهم نبينا وحبيبنا المصطفى .
ومن ثم:فإن أعظم منهج للتعريف بالله هو منهج القرآن، أكرر هذه العبارة: إن أعظم منهج للتعريف بالله هو منهج القرآن، وينبغى يقينا أن نعلم أن القرآن يخاطب الناس فى كل زمان ومكان، يخاطب القرآن ساكن البادية وساكن الصحراء ورائد الفضاء، ويخاطب الأمىً الذى لا يقرأ ولا يكتب، ويخاطب عالم الذرة وعالم الطبيعة وعالم الكيمياء، ويخاطب كل أجناس الأرض، وكل واحد من هؤلاء يجد فى القرآن الكريم ما يربطة بهذا الكون العظيم، وما يعرفه بالخالق الكريم، كل واحد هؤلاء يجد فى القرآن الكريم ما يملأ قلبه من إيمان باله سبحانه وتعالى.
فالقرآن الكريم له أسلوب فريد لا نظير له البتة، أسلوب به يستوثق أصحاب الفطر السليمة بوحدانية الملك ليجيش القرآن الوجدان ويحرك القرآن القلوب، ويخاطب القرآن العقول السوية والفطر النقية، ليعرفها بخالق الكون سبحانه وتعالى تارة بالحوار وتارة بالوصف وتارة بالاستفهام، وتارة بالترغيب وتارة بالترهيب، وتارة بالمثل وتارة بالقصص إلى آخر هذا الأسلوب الرائع الذى يبدعه القرآن إبداعاً، وينشؤه القرآن إنشاءاً، فالقرآن الكريم يعرفنا بالله الرحيم جل وعلا من خلال تنقلانه الجميلة فى آفاق السماء وفى جنبات الأرض وفى بروج النفس البشرية العميقة، كل هذا ليعرف القرآن الإنسان بالله سبحانه وتعالى، فتعالوا نقف مع القرآن وقفتنا الثانية، مع القرآن فى آفاق السماء.
ثانياً: مع القرآن فى آفاق السماء:
مع القرآن، وهذا هو عنصرنا الثانى؛ لتتعرف من خلال القرآن على الله، انظر معى إلى السماء، أنا أعلم أنك تنظر إليها كل يوم ولكنى أريد منك اليوم أن تنظر نظرة جديدة، أن تنظر إلى السماء نظرة مختلفة، هيا من اليوم جدد النظر إلى السماء، فإن إلف النظر يبلد المشاعر والأحاسيس.
إن الإنسان إذا اعتاد على شئ لا يلتفت إلى قيمته ولا يلتفت إلى مواضع الجمال فيه، لكننى أناشدك من اليوم أن تجدد النظر إلى السماء بطريقة جديدة، هيا انظر معى إلى هذه القبة الزرقاء، إلى هذا السماء.
فورب الكعبة إن نظرة هادئة مدققة فى السماء فى ليلة صافية تملأ القلب رهبة وخشوعاً لذى العظمة والجلال والكمال، كتاب مفتوح جميل، جمال متجدد، جمال متعدد باختلاف الشروق والغروب، باختلاف الليل والنهار، بصفاء السماء تارة، وبضبابها وسحابها تارة أخرى.
ثم انظر معى إلى هذه النجمة التى انفردت وحدها فى أفق السماء وكأنها عين طفلة جميلة تلمع بالمحبة والمودة والصفاء.
ثم أنظر فى الأفق الآخر إلى هاتين النجمتين الوحيدتين المنفردتين وكأن كل واحدة منهما تناجى الأخرى.
ثم أنظر إلى هذه المجموعة المترابطة المتشابكة من النجوم وكأنها تشابكت وتراصت فى عرس بهيج سعيد، وهذا القمر المنير وهذا الليل السادل وهذا الفلك الدوار، وهذا الصبح الباهر وضوء الشمس المشرقة، كل هذا من صنع من؟ كل هذا من خلق من؟
الشمس والبدر من آثار قدرته
الطير سبحه والوحش مجده
والنمل تحت الصخور الصم قدسه
والناس يعصونه جهراً فيسترهم
والبر والبحر فيض من عطاياه
والموج كبره والحوت ناجاه
والنحل يهتف حمدا فى خلاياه
والعبد ينسى وربى ليس ينساه
انظر من جيد، وتفكر من جديد، {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا *رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} (27، 29) سورة النازعات. {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47) سورة الذاريات. ثم يقول ربنا جل وعلا وهو يخاطب العقول لكى تتفكر، ويلفت الأنظار لتتدبر، لتتعرف على الخالق العظيم سبحانه، فيقول : {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (75، 76) سورة الواقعة.
ثم يقول سبحانه : {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (37 ، 40) سورة يــس.
يثبت العلم الحديث فى كلام جميل لرئيس أكاديمية العلوم الحديثه فى أمريكا فى نيويورك، يثبت العلم الحديث أن القمر يدور فى فلك ومدار حدده له مدير الكون كله، والشمس تدور فى فلك فى مدار حدده لها مدبر الكون كله.
يقول أهل العلم: لو نزل القمر من مداره الذى يدور فيه الآن واقترب
من الأرض قليلاً لاختلت حركة المد والجزر المعروفة لأهل الطبيعة ولغرقت الأرض
كلها بمن فيها.
ولو الشمس تركت مدارها ونزلت قليلا إلى أعلى لتجمد كل من
على ظهر الأرض، ولو أن الشمس تركت مدارها ونزلت قليلا لاحترق كل حى على ظهرها، كل هذا من صنع من ؟ كل هذا من خلق من؟ أإله مع الله؟ { وَكُلٌّ فِي
فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
والشمس والقمر، كلنا رأى الشمس، وكلنا رأى القمر، لكننى أخاطبك من اليوم أخى الحبيب... أن تعاود من جديد النظر إلى الشمس والنظر إلى القمر لتوحد خالق الشمس والقمر: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ* {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (75، 79) سورة الأنعام .
انظر لتلك الشمس
فيها ضياء وبها
وقل من ذا الذى
ذاك هو الله
ذو حكمة بالغة
التى جذوتها مستعره
حرارة منتشره
يخرج منها الشرره
الذى أنعمه منهمره
وقدرة مقتدره
ثم ينتقل بنا القرآن سريعا وإلا إذا وقفت والله مع كل عنصر لاحتجت إلى لقاءات.
ثالثاً: مع القرآن الكريم فى جنبات الأرض:
ينتقل بنا القرآن إلى جنبات الأرض وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء، مع القرآن الكريم فى جنبات الأرض التى تجلس عليها الآن، التى تعيش فيها، التى تسعى على ظهرها، هذه الأرض إلف معيشتنا عليها أنسانا الشيطان كثيراً من آياتها ونعمها، فإن الناس كما ذكرت إذا اعتادت شيئاً نسيت فضله، وما يشعر الإنسان بقيمة الشئ
إلا إذا افتقده.
الأرض دابة ذلول كما قال ربنا جل وعلا: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (15) سورة الملك. هذه الدابة المذللة لا تلقى براكبها من على ظهرها، بل إنها دابة جلوب تدر على أهلها الخير والأرزاق والكنوز والنعيم، هذه الدابة الذلول تجرى تركض بسرعة تجرى الأرض! نعم: الأرض التى تعيش عليها وتجلس الآن عليها ولا تتحرك تجرى وتدور بسرعة، لكنها ذلول لا تلقى راكبها من فوق ظهرها، ذللها الله وأرساها بالجبال، ولكن الجبال التى جعلها الله أوتاداً للأرض هى نفسها تجرى وتسير كما قال ربنا جل وعلا: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (88) سورة النمل.
الجبال تسير؟ نعم ... والأرض تجرى؟ نعم ... ولكنها ذلول مذللة، بل ستعجب إذا علمت أن العلم الحديث قد أثبت أن الأرض تدور حول نفسها بسرعة مذهلة قدرها العلماء بسرعة ألف ميل فى الساعة الواحدة، الأرض ذلول تجرى وتدور دورة كاملة حول نفسها بسرعة تقدر بألف ميل فى الساعة الواحدة، وتدور الأرض دورة ثانية تدور حول الشمس بسرعة قدرها العلماء بسرعة تزيد 65000 ألف ميل فى الساعة الواحدة. وتدور الأرض مرة ثالثة مع الشمس مع المجموعة الشمسية بسرعة قدرها العلماء بـ 20000 ألف ميل فى الساعة الواحدة صنع من؟ خلق من؟ أإله مع الله؟
أمر عجيب بل وأثبت العلم الحديث أن دورة الأرض حول نفسها هى التى نشأ عنها الليل والنهار، لو لم تدر الأرض حول نفسها لما رأينا ليلاً ولا نهار، لرأينا ليلا سرمدا أو نهارا سرمدا، لكن الله جل وعلا سبحانه وتعالى جعل الأرض تدور حول نفسها دورة كاملة ومن خلال هذه الدورة رأينا الليل والنهار، ثم تدور الأرض حول الشمس وهذه الدورة نشأ عنها الفصول الأريعة الصيف والشتاء والربيع والخريف .
أما الدورة الثالثة مع الشمس ومع المجموعة الشمسية فإن ستار الغيب لم يكشفه عنها إلى الآن فى عصر الذرة، لنعلم يقيناً أن الإنسان لا يعلم شيئاً فى الكون إلا بالقدر الذى أراد أن يعلمه له خالق الكون قال سبحانه: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} (255) سورة البقرة. حتى لا يتبجح الإنسان المغرور ويدعى أنه أصبح الآن قادراً على أن يعيش وحده بدون إله.
لقد سمعنا ذلك وقرأناه يوم أن صدعوا رؤوسنا بالنعجة "دوللى" وخرج علينا من العلمانيين المجرمين من يقول: استطاع فى عصر العلم، لا فى عصر معجزات الأنبياء استطاع أن يخلق الإنسان نعجة وفى المرحلة القادمة يستطيع الإنسان أن يخلق إنساناً.
ثم قال علمانى وقح: لقد آن الأوان ليعيش الإنسان بعيداً عن الله، فورب الكعبة ما خلقوا ذبابة ولن يخلقوا ذبابة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (73، 74) سورة الحـج. {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
فهذه الأرض مذللة، ثم شق الله فيها الأنهار والبحار وزينها بالأشجار وأودعها الكنوز والخيرات قال سبحانه: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} (33،35) سورة يــس.
سبحانه قدر خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون آيات.
أنظر لتلك الشجره
كيف نمت من حبه
ابحث وقل من ذا الذى
ذاك هو الله الذى
ذو حكمة بالغة
سل الواحة الخضراء
وهذى الصحارى
سل الروض مزدانا
سل الليل والإصباح
وسل هذه الأنسام
وسل كل شئ تسمع
ولو جن هذا الليل وامتد سرمدا
ذات الغصون النضره
وكيف صارت شجره
يخرج منها الثمرة
أنعمة منهمره
وقدرة مقتدره
والماء جاريا
والجبال الرواسيا
والزهر والندى
والطير شاديا
والأرض والسما
التوحيد لله ساريا
فمن عير ربى يرجع الصبح ثانياً
{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (60، 64) سورة النمل .
البعرة تدل على البعير، وأثر السير يدل على المسير، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير، وأمسك الإمام أحمد بالبيضة يوما، بيضة من دجاجة فقال أحمد: هذا حصن حصين أملس ليس له باب وليس له منفذ، ظاهرة كالفضة البيضاء وباطنه كالذهب الإبريز، وبينما هو كذلك إذا اتصدع جداره وخرج منه حيوان جميل سميع بصير ذو صوت حسن وشكل مليح أإله مع الله؟
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ } (20) سورة العنكبوت ، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ } اذكروا الله جل وعلا {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } وبعد هذا التفكر يقولون حتما: { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (190، 191) سورة آل عمران.
وأنتقل النقلة الرابعة مع القرآن الكريم على وجه السرعة ألا وهو عنصرنا الرابع مع القرآن الكريم آيات خلق الإنسان.
ولكنى أرى عقارب الساعة تطاردنى فأرجئ الحديث عن هذا العنصر وعن الذى يليه بعد جلسة الاستراحة وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله واصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام.
رابعاً: مع القرآن فى مراحل خلق الإنسان:
بإيجاز شديد مع العنصر الرابع، مع القرآن الكريم فى مراحل خلق الإنسان، قال سبحانه : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (12، 14) سورة المؤمنون .
أيها الأحبة الكرام...
إن خلق الإنسان إعجاز، إنك أيها الإنسان من أعجز آيات الله على ظهر هذه الأرض، فورب الكعبة نظرك فيك يكفيك على أن الخالق هو الله.... أنظر إلى رأسك ابتداء وسأرجع بعد ذلك إلى البداية، أنظر معى إلى رأسك، أنظر إلى العين، أنظر إلى الأنف، أنظر إلى الأذن، أنظر إلى الفم وتدبر. سترى فى كل عضو من هذه الأعضاء نوعاً من الماء سترى ماء فى العين إنها الدموع، وسترى ماء فى الأذن، وسترى ماء فى الفم، وسترى ماء فى الأنف، لكن أنظر وتدبر.
سترى ماء العين مالحا، وماء الأنف حامضا، وماء الأذن مرا، وماء الفم حلوا!! صنع من؟ خلق من؟ وأصل هذا الماء واحد، وهو رأس الإنسان، تدبر معى هذه المراحل العجيبة، فالرجل يجتمع بامرأته ليضع نطفته تلك النطفة التى تحتوى على ملايين الحيوانات المنوية، هذا المنى المهين خلقت منه {خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (6، 7) سورة الطارق.
هذا الماء المهين ملايين الحيوانات المنوية تتسابق كلها لتصل كل هذه الملايين إلى عروس واحد إنها البويضة التى تخرج من رحم المرأة مرة واحدة فى الشهر كأنها عروس فى ليلة زفافها.
نعم! تخرج البويضة عليها تاج مشع هذا ليس تعبيراً بلاغاً أدبياً من عندى إنما هو تعبير علمى تخرج البويضة وعليها تاج مشع لعلها بهذه الإشعاعات أن تلفت نظر حيوان منوى ليقترب منها، وتتسابق الملايين المملينة فى محاولات إلى هذه العروس، إلى هذه البويضة، لكن تموت كل هذه الملايين ولا يصل إلى هذه البويضة إلا حيوان منوى واحد، هذه المعلومة التى لم يصل إليها العلم الحديث إلا فى هذا العصر، أخبرنا عنها نبينا منذ مئات السنين فقال كما فى صحيح مسلم... تدبر ...:" ليس من كل الماء يكون الولد" (مش كل الحيوانات المنوية يكون منها الولد لا" "ليس من كل الماء- أى المنى- يكون الولد وإذا أراد الله خلق شئ لم يمنعه شئ". الحديث فى صحيح مسلم.([6]).
يصل هذا الحيوان إلأى البويضة فيلقحها، إذا ما اقترب الحيوان المنوى من البويضة تقوم البويضة بفرز سائل لزج من شأنه يمسك بالحيوان المنوى على جدراها، فإن التصق الحيوان المنوى بجدار البويضة أفرز هو الآخر سائلاً من شأنه أن يذيب هذا التاج المشع على رأس البويض