الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرض والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
**
السؤال
[b]السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قوله تعالى {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
الأعراب هل هم أهل البادية البدو الرحل؟ أم من عرفوا بسكنهم للأماكن النائية حتى وإن تغير الزمان مع أنه عامة ما يقال لأهل الجزيرة بأنهم بدو ويفتخرون بأنهم بدو!
{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} وهو دعاء عليهم أي الأعراب
وهل صحيح أن الأعراب هم دوما أشد كفرا ونفاقا من غيرهم كالأوربيون ومن جنسيات أخرى
ولماذا هم أشد كفرا ونفاقا_وهل هم أول من كذب الرسول لذا فهم مكروهين ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الحاضرة لماذا أرسل للبادية في صغره عند حليمة السعدية؟ وهل يجوز أن يقال لقليل الفهم مثلا(يا بدوي) أي أنه انتقاص له؟
وهل ورد الترغيب في سكنى المدن لأنها محل العلم وسماع الوعظ ؟
و الحديث(من بدا جفا) هل هو حديث صحيح ؟
وجزاك الله خير الجزاء ونفع بعلمك
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
قال الراغب في " الْمُفْرَدات " : العرب : ولد إسماعيل ، والأعراب جَمْعه في الأصل ، وصار ذلك اسْمًا لِسُكّان البادية ... والأعرابي في التعارف صار اسْمًا للمَنْسُوبِين إلى سُكّان البادية . اهـ .
وقد استثنى الله عزَّ وَجَلّ طائفة مِن الأعراب ، فقال :
(وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
فمن آمن بالله وترك الجفاء فليس بِمذموم .
قال ابن كثير : أخبر تعالى أن في الأعراب كُفارًا ومنافقين ومؤمنين ، وأنّ كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد . اهـ .
وأما قوله تعالى : (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ) ، فهو خَبَر عمّن اتصف بذلك الوصف ، أي : بأنه (أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) . وهو وصف تكرر في الإخبار عن المنافقين ، كما قال تعالى :
(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ) .
وأما المؤمن فليس كذلك .
وغالبا يكون الجفاء عند من يسكن الصحراء ، نظرا لِجفافها ، ولِعدم مُخالطة الناس .
ولذلك يأخذ أصحاب الدواب مِن أخلاق دوابّهم ، فالجفاء في أهل الإبل ، والسكينة في أهل الغنم .
قال صلى الله عليه وسلم : الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم . رواه البخاري ومسلم .
وحديث : " مَن بَدا جَفَا " رواه الإمام أحمد ، وحسّنه الألباني ، وضعّفه الأرنؤوط .
ولا يُمكن أن يُوصف من يؤمن بالله واليوم الآخر بأنه أشد كُفرا ونفاقا ، ولو كان عَبْدًا مملوكا ، أو أمَة مملوكة ، وإنما يُوصف به من لم يؤمن بالله واليوم الآخر .
ومن كان عنده ذرّة مِن إيمان فهو خير مِن ملء الأرض من الكفار ، كما قال تعالى : (وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ، وقال : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) .
والأعراب ليسوا هم أوّل من كذّب الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل أوّل من كذّبه هم أهل مكة .
وأما إرسال النبي صلى الله عليه وسلم للارتضاع في البادية ، فإن أهل البادية كانوا أفصح من غيرهم ؛ لأنهم لو يُخالطوا أحدا ، ولم يتأثّروا بغيرهم .
ولا شكّ أن سُكنى الْمُدُن ليس مرغوبا على الدوام ، بل قد تكون المدن أكثر فِتَنًا ، كما هو مشاهد في كثير من المدن ، وقد تكون القرى والهجر أخفّ منها بكثير ، بل قد لا يكون فيها فِتَن .
وقد يكون اعتزال الناس والمدن أفضل .
ففي الصحيحين عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ الأَكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ ، تَعَرَّبْتَ ؟ قَال : لا ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ .
والله تعالى أعلم .