سقياً لمَثْناة ِ الحجاز وطيبها | ولسُوحِ رَوضتِها وسَفح كثيبِها |
وظِلالِ دوحٍ في شَريعتها التي | تنسابُ بين مَسيلها ومَسيبِها |
ورياضِ بَحْرتها التي فاقت على | كلِّ الرِّياض بحسنِها وبطيبها |
يَنفي الوَبا عن مائِها وهوائِها | وترابِها ما صحَّ من تَركيبها |
لله عَقْوتُها التي نالت بها | نفسي من اللَّذات كلَّ نصيبها |
كم بتُّ فيها ساحباً ذيلَ الصِّبا | أختالُ بين رَبابِها ورَبيبها |
ويكفُّني حلمُ الحِجا حتى إذا | دبَّت حُميَّا الكأسِ بعض دَبيبها |
مزَّقتُ جلبابَ الوَقار بصبوَة ٍ | ما زال دهري مُعجَباً بعجيبها |
واهاً لها من ليلة ٍ لم يألُ لونُ | سُلافِتا الذَّهبيُّ في تذهيبِها |
كم شنَّفتْ كأساً بدُرِّ حَبابها | بل كم شفت نفساً بقُرب حبيبها |
يا ساقيَ الراح الشهيَّة هاتِها | وأرحْ براحَتها فؤادَ كئيبها |
قرِّب كؤوسَك ـ لا نأيتَ ـ فلا غِنى ً | إن رمتَ بُعدَ الهمِّ من تقريبها |
أدِم اصطِباحاً واغتباقاً شِربَها | فالأنسُ موقوفٌ على شرِّيبها |
صِفها بأحستِ وصفِها ونُعوتها | واختَزْلها الألقابَ في تَلقيبها |
حمراءُ تسطعُ في الكؤوس كأنَّها | ياقوتة ٌ ذابتْ بكفِّ مُذيبها |
صرفت همومَ الشاربين بِصرْفها | وافترَّ ثغرُ الكأس من تَقطيبها |
لو لم يكنْ في الرَّوض مغرسُ كرمها | ما رجَّعت ورقاءُ في تَطريبِها |
دعت العقولَ إلى الذُّهول فلم يفز | بجوامع اللذَّات غيرُ مُجيبها |
ومليحة ٍ قد أشْبَهتْ شمسَ الضُّحى | في الحُسن عند طلوعها ومَغيبها |
تبدو فتختطفُ العيونَ مضيئة ً | بشروقها وتغيبُ في غِرْبيبها |
شبَّت فشبَّت في الحشا نارُ الأسى | فقصرتُ أشعاري على تشبيبها |
ناسبتُها ونسبتُ في شِعري بها | فاعجبْ لحُسن نَسيبها لنَسيبها |
ومن العجائب أنَّ جمرة َ خدِّها | تذكو فيشكو القلبُ حرَّ لهيبها |
ما زال منذُ فقدتُّها وَصَبِي بها | يَقضي بصبِّ مدامعي وصَبِيبها |
ما ساغَ موردُ وصلها لي ساعة ً | إلاَّ أغصَّتني بعين رَقيبِها |
بالله ربِّكم اسمَعوا أشرَحْ لكمِ | في الحبِّ أحوالي على تَرتيبها |
أبصرتُها فعشِقتُها فطلبتُها | فمُنِعْتُها فقضيتُ من كلفي بها |
يا عاذِلي ما رمتَ راحة مهجتي | من وجدها بلْ زدْتَ في تعذيبها |
لا تكثرنْ نُصحي فتلكَ نصائحٌ | يكفيكَ صدقُ هوايَ في تكذيبها |
ما هُنَّ غيرُ وساوسٍ تهذي بها | عندي وان بالغتَ في تهذيبها |
هيهات يَسلو بالمَلامة مغرمٌ | يزدادُ فرطُ هواهُ من تأنيبها |
ويرى السلوُّ مصيبة ً من بعدما | رشقته نبلُ لحاظِها بمصيبها |
ما زلتُ انتخبُ القريضَ لوصفها | ولمدح مُنتخَب العُلى ونجيبها |
مُولي المعارِف والعوارفِ والنَّدى | وعريفِ ساداتِ الهُدى ونَقيبِها |
ان عُدَّت الأنسابُ فهو نسيبُها | وحسيبُها المشهور وابنُ حسيبها |
حاز الفخارَ بِنسْبة ٍ نبويَّة ٍ | هي في غنى ً عن بُردها وقضيبها |
وروى مُعنعنَ مجده برواية ٍ | جلَّت عن ابن قَرينها وقَريبِها |
ندبٌ إذا افتُرِغَتْ منابرُ مِدحة ٍ | كانت مناقبُه لسانَ خَطيبها |
وإذا المجالسُ بالصدُور تزاحمتْ | فحسينُها الحسنيُّ صدرُ رَحيبها |
هو كعبة ُ الفضلِ التي يَهوي لها | من أمَّة الفُضلاءِ قلبُ مُنيبِها |
ذلَّت وأذعَنتِ الأباة ُ لمجدِه | إذعانَ هائِبها لبأس مَهيبها |
يا أيُّها الشهمُ الذي سَبقَ الورى | ببعيدِ غاياتِ العُلى وقَريبها |
جُزتَ السماء بمُرتقى ً قد قصَّرتْ | عن أن تَنالَ عُلاه كفُّ خَضِيبها |
وحويتَ إبَّانَ الشَّباب مَفاخراً | لم يحوِها شيبٌ أوانَ مَشيبِها |
لله دَرُّكَ من جَواد ماجدٍ | ضحكت به الآمالُ بعد نَحيبها |
وإليكها غرّاءَ تستلبُ النُّهى | بأوانسِ الألفاظِ دونَ غَريبها |
وافتكَ تشرحُ شوقَ نَفسي عندما | حنَّت إلى لُقياكَ حَنَّة نِيبِها |
قايسْ بها الأشعارَ في حُسنٍ تجدْ | شعرَ المحبِّ يفوقُ شِعرَ حبيبِها |
واسلمْ ودُم في نعمة ٍ طولَ المدى | تختالُ من أبرادِها بقَشِيبها |
ما رنَّحتْ ريحُ الصِّبا زهرَ الرُّبى | أو غرَّدت ورقاءُ فوقَ قضِيبِها |